3 أعوام من الإنحدار: قضم آخر مساحات “الإعلام” وحرية “التعبير”

لا تظهر بيانات الأعوام 2013، 2012 و2011 التي شهدت موجة احتجاجات 14 فبراير/ شباط، تغييراً يُذكر في مسلسل انحدار الحريات الإعلامية ومساحات التعبير، رغم إنكار السلطات. طبقاً لسجلات «رابطة الصحافة البحرينية»، يمكن ملاحظة ارتفاع منسوب الانتهاكات التي طالت خلال العام 2013 الصحافيين والمصورين والمدونين مقارنة مع العام السابق، وذلك رغم الانخفاض النسبي لوتيرة الاحتجاجات مقارنة مع السنة الأولى لإنطلاقها.

هناك حوالي 40 حالة استهداف حقيقية موثقة لصحافيين خلال العام 2012، بينها حالة قتل واحدة لمصوّر الفيديو أحمد إسماعيل [1]. لكنّ هذا العدد ارتفع العام 2013 إلى 53 حالة. وسجلت خلال هذا العام 11 حالة اعتقال و6 استدعاءات والحبس عام أو أكثر بتهم مثل «إهانة الملك»، كما أصيب 3 مصورين على الأقل بجروح خلال تغطيتهم التظاهرات. فيما ما يزال نحو 8 من الإعلاميين والمدونين رهن الاعتقال.

لكن العام 2011  كان الأسوأ على مستوى الاستهدافات التي طالت الصحافيين والإعلاميين من شتى القنوات الفضائية ووكالات الأنباء. إذ سجلت 129 حالة انتهاك طالت الإعلاميين بشكل مباشر وعدد 2 قتلى، هما عبدالكريم فخراوي وزكريا العشيري. وأغلقت لفترة صحيفة «الوسط» اليوميّة، كما أجبر طاقم تحريرها بمن في ذلك رئيس التحرير ومدير التحرير على الاستقالة [2]. وصنفت منظمة «مراسلون بلا حدود» المنامة كواحدة من أخطر المناطق على الصحافيين في العالم خلال العام 2011. كما أدرجتها ضمن قائمتها للدول شديدة العداوة للإنترنت. بينما تربّعت على رأس قائمة أعداء الإنترنت العام 2012 [3] .

ولا تظهر تقارير المنظمات الدولية اختلافاً على هذا الصعيد بالنسبة إلى العام 2013. فقد اعتبرت منظمة «فريدوم هاوس» البحرين «دولة غير حرة» في تقرير الحرية على الإنترنت 2013، مشيرة على وجه الخصوص إلى «حملة القمع الحكومي المكثف» وتقديم «مستخدمي الإنترنت إلى المحاكمة» و«زيادة استخدام الهجمات الالكترونية والرقابة الحكومية لتعطيل أو رصد أنشطة المعارضين» [4].

وبقي ملف الإعلاميين المفصولين عالقاً من دون حل. وطبقاً لإحصائيات «الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين» الذي قام بإعداد قائمة محدثة للمفصولين العام 2013، فإن هناك 27 صحافياً لم تجر حلّ ملفاتهم أو إعادتهم إلى أعمالهم (صحيفة الأيام 6، صحيفة البلاد 11 وصحيفة الوطن 10). وهناك حالة إيقاف سجلت هذا العام لموظف في «البرلمان» بعد إدلائه آراءً عبر حسابه في «تويتر». وهذا الرقم يطابق تقريباً تعداد الصحافيين الذين تم فصلهم من أعمالهم على خلفية مناصرتهم للاحتجاجات السياسية منذ العام 2011 والبالغ 30.

وسجل العام 2013 زيادة لافتة في محاكمة مواطنين بتهم كيدية مثل «إهانة الملك» و«التحريض على كراهية النظام» عقب آراء معارضة أدلوا بها في محافل عامة. وأحصى «مركز البحرين لحقوق الإنسان» نحو 30 قضية عرضت على المحاكم خلال هذا العام بتهم «إهانة الملك» [5]

ومثل استخدام السلطات للقضاء لمحاصرة الحريات العامة سلوكاً مستمراً. وقد لاحظ تقرير «بسيوني» منذ العام 2011 أن تطبيق السلطات  للمادة 165 من قانون العقوبات المتعلقة بـ«التحريض على كراهية النظام» قد جرى بشكل «ينتهك حرية الرأي والتعبير إذ أقصيت من النقاش العام الآراء التي تعبر عن معارضة نظام الحكم». عوضاً عن تصحيح هذه الأوضاع، فقد حكم على استشاري جراحة العيون الدكتور سعيد السماهيجي خلال العام 2013 بالسجن لمدة عام بتهمة «إهانة الملك». وحُوّل أمين عام جمعية «الوفاق»، أكبر الجمعيات المعارضة، الشيخ علي سلمان إلى النيابة العامة كما منع من السفر بتهمة «التحريض على كراهية النظام». وسجن المدافع عن حقوق الإنسان، أمين عام المنظمة الأوروبية البحرينية لحقوق الإنسان، حسين جواد لنفس التهمة، إضافة إلى كثيرين.

شهد العام 2012 تقديم عدد من مرتكبي الانتهاكات من ذوي الرتب الصغيرة إلى المحاكم في سياق التعهدات التي أعلن الملك البحريني الالتزام بها عقب تقرير لجنة تقصي الحقائق، لا سيّما قضايا القتل والتعذيب أثناء الاحتجاز التي طالت الإعلاميين من صحافيين ومدونين. لكن سرعان ما تبيّن أنها محاكمات صورية أقيمت للتخلص من ضغوطات المنظمات الدولية.

وقد شكل 2013 عاماً نموذجياً للإفلات من العقاب بالنسبة إلى مرتكبي الانتهاكات. فقد برّأت المحاكم البحرينية 5 شرطة باكستانيين اتهموا بالتعذيب حتى الموت للناشط الإلكتروني زكريا العشيري. وكذلك برأت ضابطة اتهمت بتعذيب مراسلة إذاعة «مونتيكارلو» نزيهة سعيد، كما رفضت طعنها في الحكم. وخفضت عقوبة شرطيين من جهاز الأمن الوطني أدينا بتعذيب الناشر والعضو المؤسس في صحيفة «الوسط» عبدالكريم فخراوي حتى الموت، بالسجن 3 بدلاً من 7 سنوات.

وقد أبدى رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني في لقاء حديث استغرابه من هذه الأحكام، وصرّح بأنه «لا جدية أو محاكمات صارمة بشأن التعذيب في البحرين» [6] .

وأقرّ المجلس الوطني بشقيه المعين والمنتخب بعد أن دعاه الملك للانعقاد في أغسطس/ آب 2013 تزامناً مع حملة «تمرد البحرين» 22 توصية تطالب بفرض قيود جديدة على حرية التعبير، وحظر غير محدد المدة على كافة التجمعات العامة في العاصمة المنامة. ودعت التوصية رقم «6» إلى «حظر كافة الاعتصامات والمسيرات والتجمعات في العاصمة المنامة». بينما دعت التوصية رقم «16» إلى أن تطال الإجراءات الحكومية «الحقوق الأساسية، وخاصة حرية الرأي بحيث تحقق التوازن بين إنفاذ القانون وحماية حقوق الإنسان».

ورأت «هيومن رايتس ووتش» أن «توصيات البرلمان تؤدي عند تقنينها إلى تعليق الحق في حرية التجمع إلى أجل غير مسمى في المنامة، وإلى انتقاص شديد من حرية التعبير» [ 7 ]. واتخذت السلطات توصيات البرلمان غطاءً لتمرير المزيد من الإجراءات من أجل إحكام القبضة على الهوامش المتبقية للتعبير في المجال العام.

ضمن هذه الأجواء جاء إعلان وزير الدولة لشئون الاتصالات فواز بن محمد آل خليفة نوفمبر/ تشرين الثاني عن استحداث إدارة تحت اسم «إدارة السلامة الإلكترونية» من أجل متابعة المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وتوعد آل خليفة بملاحقة «الاستخدام غير الشرعي لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي»، وبين ذلك «بثّ الأكاذيب والمغالطات في ما يهدّد أمن البلاد واستقرارها». وأكد على أن «القيود والضوابط على حرية الرأي والتعبير ضرورة للحفاظ على الأمن القومي» [8]. وأعلنت وزارة الدولة لشئون الاتصالات أنها قامت بــ «رصد 70 من المواقع والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي المخالفه»، متوعدة بـ«اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها». فيما شهد العام 2013 تزايداً ملحوظاً في القضايا التي عرض فيها مواطنون على المحاكم أو استُدعوا للتحقيق بسبب نشاطهم على شبكات التواصل، بواقع 11 قضية.

ورفضت هيئة شؤون الإعلام اعتبار أي من قضايا العاملين ضمن صحافة المواطن والمدونين تتصل بالنشاط الإعلامي، انطلاقاً من تعريف غير مواكب يفرّق بين الإعلامي والمدوّن. وقالت في بيان رداً على «لجنة حماية الصحفيين» التي انتقدت استمرار اعتقال عدد من النشطاء الإلكترونيين «إنهم مدونون، لا يمارسون الصحافة كمهنة» [9]. وانتهى العام 2013، وما يزال 8 من الصحافيين والمصورين والمدونين قيد الاعتقال، وهم: أحمد حميدان، حسن معتوق، محمود عبدالصاحب، حسين حبيل، جاسم النعيمي، قاسم زين الدين، عبدالله الجردابي وأخيرا أحمد الفردان.

هوامش:

1. تقرير رابطة الصحافة البحرينية، الصمت جريمة حرب  https://bahrainpa.org/?p=64

2. تقرير رابطة الصحافة البحرينية، الكلمة تساوي الموت  https://bahrainpa.org/?p=79

3.  تقرير منظمة مراسلون بلا حدود  http://march12.rsf.org/en/

4.  تقرير “فريدوم هاوس” 2013 http://freedomhouse.org/report/freedom-net/2013/bahrain

5. تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان: http://www.google.com.kw/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&ved=0CCwQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.bahrainrights.org%2Fsites%2Fdefault%2Ffiles%2FInsulting%2520the%2520King%2C%2520Test%2520.pdf&ei=PN3JUriFIozI0wXJpYC4Dg&usg=AFQjCNFsTiXwNn2QUZkZFP8k0W_CBIN6jw&sig2=dw0z0V_FfE2o2cgugB2MUw&bvm=bv.58187178,d.d2k&cad=rja

6. مقابلة مع صحيفة “القبس” الكويتية، 3 يناير 2014 http://www.alqabas.com.kw/node/828026

7. تقرير هيومان رايتس ووتش  http://www.hrw.org/ar/news/2013/08/01

8. http://www.bna.bh/portal/news/592147

9. http://www.alwasatnews.com/4128/news/read/841571/1.html

زر الذهاب إلى الأعلى