الإعلام التلفزيوني في البحرين: فراغ قانوني وتجيير لصالح الرواية الواحدة

4b

يرجع تاريخ البث التلفزيوني في البحرين إلى سبعينيات القرن المنصرم، حيث انطلق أول بث تلفزيوني في عام 1973، وتأسس تلفزيون البحرين الحكومي في عام 1975. وارتفع عدد القنوات التلفزيونية الحكومية لاحقاً إلى 6 قنوات، وهي – إلى جانب القناة الرئيسية – القناة الأجنبية الناطقة باللغة الإنجليزية، القناة الرياضية 1، القناة الرياضية 2، قناة القرآن الكريم، والبحرين إنترناشيونال.

وتعتبر قناةاللؤلؤة قناة تلفزيونية تابعة للقطاع الخاص، وهي قناة تلفزيونية مركزها الرئيسي في لندن، يصنفها القائمون عليها كقناة بحرينية. وتأسست القناة في يوليو 2011 بترخيص من هيئة تنظيم البث والاتصالات البريطانية (Ofcom). ورغم أن برامج القناة وتغطياتها تركز على الحدث السياسي البحريني وتستهدف الجمهور البحريني إلا أنها لا تمتلك مكتباً رسمياً في البحرين حيث رفضت السلطات البحرينية التصريح لها. وتعرضت قناة “اللؤلؤة” منذ إطلاقها للتشويش المتعمد على القمر الصناعي (نايل سات) مما حدا بها للبث على قمر صناعي آخر.

كما وتعمل قناةالإتحادتحت ترخيص السلطات الحكومية في البحرين، وانطلقت قناة (الاتحاد) في يونيو 2012 ويتركز بثها على برنامج “مع سعيد الحمد” الذي يقدمه الإعلامي سعيد الحمد استكمالاً لسلسلة حلقاته التي كانت تعرض على تلفزيون البحرين الحكومي فترة قانون الطوارئ قبل أن تتوقف في يونيو 2011. ويعتمد الحمد، وهو أحد الموالين للحكومة والمدافعين عن سياساتها، أسلوب التشهير في النشطاء المعارضين للحكومة والقدح في سمعتهم. ورغم أن “الاتحاد” تبث من البحرين إلا أن هيئة شؤون الإعلام لم تعلن رسمياً عن الترخيص الرسمي لها، مما يفتح التساؤل حول الجهات التي تقف وراءها خصوصاً وأنها تستخدم في بثها الإمكانيات المادية والمباني التابعة لهيئة شؤون الإعلام في البحرين.

وفي فبراير 2012 وقع رئيس هيئة شؤون الإعلام مذكرتي تفاهم مع المدير العام ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي والرئيس التنفيذي لشركة روتانا فهد السكيت تصبح بمقتضاهما مملكة البحرين مقرًا رئيسًا لقناة “العرب” الإخبارية والإدارة التنفيذية العليا لمجموعة قنوات “روتانا” اعتبارًا من 12 ديسمبر 2012.

ولم تعلن هيئة شؤون الإعلام عن السماح لأي قناة عدا قناة “العرب” بالبث من البحرين، في حين كانت وزارة الإعلام تتعذر عن منح تراخيص إطلاق القنوات تلفزيونية بحجة وجود فراغ تشريعي في هذا الجانب إذ لا زالت السلطات البحرينية تماطل في إنجاز قانون يتولى تنظيم الإعلام السمعي والمرئي في البلاد رغم تكدس الطلبات المقدمة من القطاع الخاص. وكانت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية – حزب سياسي معارض – قد رفعت خطاباً إلى رئيس هيئة شؤون الإعلام في يناير 2012 تطلب منحها ترخيصاً لإطلاق قناة فضائية، إلا أنها لم تحصل على أي رد رسمي.

الفراغ القانوني

ينظم سلك الإعلام في البحرين قانون وحيد وهو قانون رقم (47) لسنة ‏2002‏‏ بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر الذي صدر بمرسوم ملكي دون المرور بالمؤسسة التشريعية لينسخ القانون رقم (14) لسنة 1979 في شأن المطبوعات والنشر.

ورغم أن القانون الحالي يعترف بالآلات والأجهزة والبرامج المستعملة لنقل الكلمات أو الرسوم أو الصور أو الأفلام بقصد نشرها أو تداولها، إلا أن القانون نفسه يفتقر إلى نصوص تنظم الإعلام التلفزيوني والإذاعي بشكل واضح.

وتقول جماعات المعارضة أن السلطات تتعمد المماطلة في تنظيم الإعلام الإذاعي والتلفزيوني بهدف الإستفراد بالبث وتوجيه الرأي العام دون أن يكون للمعارضة السياسية في البلاد القدرة على مزاحمة الجهاز التلفزيوني الرسمي والوحيد في البلاد، وهو تلفزيون البحرين.

التلفزيون الحكومي: الرأي الواحد وسياسات تشويه السمعة

يلاحظ من البرامج التلفزيونية التي يبثها تلفزيون البحرين التحيز التام لوجهة النظر الحكومة والاعتماد على المعلومات من المصادر الحكومية دون الإشارة أو إتاحة المجال للآراء المخالفة. هذا وكانت هيئة شؤون الإعلام قد سرحت عدداً من البحرينيين إبان فترة الطوارئ في عام 2011 لأسباب سياسية وطائفية، ولم تتم حتى كتابة هذا التقرير إعادة معظم من سُرحوا، فيما نُقل من تم إعادتهم إلى وظائف أدنى مما كانوا عليه بقصد إجبارهم على الاستقالة.

وبحسب اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني) التي أصدرت تقريرها في 23 نوفمبر العام 2011، فإن تلفزيون البحرين كان قد بث في تغطياته فترة الطوارئ مواد احتوت على لغة مهينة وتغطية مثيرة للأحداث، وأن بعضا منها كان مسيئ للسمعة، ولكن اللجنة – كما جاء في تقريرها – لم تعثر على أدلة حول تغطية إعلامية تنطوي خطاب مفعم بالكراهية.

هذا ولابد من الإشارى إلى التوصية رقم (1724) التي رفعتها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي تدعو حكومة البحرين إلى:

  • النظر في تخفيف الرقابة على وسائل الإعلام والسماح للمعارضة باستخدام أكبر للبث التلفزيوني والإذاعي والإعلام المقروء. إن استمرار رفض منح صوت مسموع بصورة كافية لمجموعات المعارضة في الإعلام الوطني يحمل في طياته مخاطر تقود إلى زيادة الاستقطاب والانقسام السياسي والإثني (العِرقي).
  • وضع معايير مهنية للإعلام والأشكال الأخرى للمطبوعات تتضمن مدونة سلوك وآلية للتنفيذ بهدف المحافظة على المعايير المهنية والأخلاقية حتى يمكن تجنب إثارة الكراهية والعنف وعدم التسامح، دون الإخلال بالحقوق المحمية دوليا لحرية التعبير.
  • اتخاذ إجراءات مناسبة بما في ذلك الإجراءات التشريعية للحيلولة دون التحريض على العنف والكراهية والطائفية والأشكال الأخرى من التحريض والتي تؤدي إلى خرق حقوق الإنسان المحمية دوليا، بصرف النظر عن عما إذا كان المصدر خاصًا أو عامًا.

وبحسب خطة لإصلاح الإعلام أعدتها هيئة شؤون الإعلام في إطار المواكبة الحكومية لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، تقترح حكومة البحرين مسودة قانون للإعلام المرئي والمسموع يفترض أن تمر عبر المؤسسة التشريعية، تتضمن المسودة إنشاء مجلس أعلى للإعلام يعين الملك أعضاءه للرقابة على محتوى البرامج السمعية والبصرية والإشراف عليها.

وبناء على الخطة الحكومية يفترض من المجلس ضمان استقلالية وحيادية جميع وسائل الإعلام وتولي مسؤولية ضمان احترام التعددية في التعبير عن الآراء والأفكار في برامج الإذاعة والتلفزيون وضمان عدم وجود أي تحريض على الكراهية والعنف وعدم التسامح بسبب العرض أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الجنسية ويضمن احترام الديانات والثقافات في برامج الإذاعة والتلفزيون.

ورغم مرور عامين على تقرير اللجنة وتوصياتها لم تتغير سياسة الإعلام الحكومي حيال التعاطي المتحيز لتغطية الأحداث وإقصاء الآراء المخالفة، إذ لا زالت التغطيات التلفزيونية تعرض برامج سياسية منحازة تحتوى خطاباً مادحاً للحكومة وسياساتها إلى جانب الأغاني التمجيدية للقيادة الحاكمة في البحرين في الوقت الذي تستمر فيه الانتهاكات الحقوقية للمواطنين وتغييب الرأي السياسي المعارض أمام النهج الأمني الذي دائماً ما كان خارج التغطية التلفزيونية الرسمية.

إعلام المعارضة التلفزيوني 

بوصف قناة “العرب” قناة إخبارية – لا زالت قيد التأسيس – وتعنى بالشأن العربي دون خصوصية المشهد البحريني، وباعتبار قناة “الاتحاد” ممثلة لوجهة النظر الموالية للحكومة والمروجة لسياساتها، تبقى قناة “اللؤلؤة” القناة التلفزيونية الوحيدة التي تعمل خارج إطار سيطرة الحكومة في تغطية الأحداث اليومية في البحرين وبث البرامج المتعلقة بالبلاد، وبرغم أنها في أحيان عدة تعرض معلومات تستقى من المصادر الحكومية إلا أنه يلاحظ في تغطياتها ندرة إتاحة المساحة للرأي المؤيد للحكومة، وتؤكد القناة رفض المسؤولين الحكوميين الظهور عليها أو التعليق على الأخبار والتقارير التي تقوم ببثها. كما يلاحظ شدة التركيز على مواقف أطياف في المعارضة دون غيرها، فضلاً عن اقتصار الخطب الدينية التي تبثها القناة على فئة محددة من رجال الدين في طائفة واحدة.

معوقات اليوم وطموحات الغد:

إبرز ما يعيق فضاء الإعلام التلفزيوني في البحرين هو غياب قانون ينظم الإعلام المرئي بما يسمح بتأسيس قنوات تلفزيونية مستقلة عن الحكومة تعمل خارج سيطرتها، مع أهمية فتح القنوات التلفزيونية الحكومية أمام جميع الآراء دون تحيز.

ويفترض من الحكومة تسهيل عملية الترخيص لإطلاق القنوات التلفزيونية غير الحكومية، وألّا يكون غياب القانون الخاص بالإعلام المرئي عائقاً نحو التعددية الإعلامية، خصوصاً وأن الترخيص لقناة “العرب” أوضح بأن هنالك مساحة من القانون الحالي يمكن الاستناد عليها لترخيص قنوات الإعلام المرئي.

وفي حال أقرت المؤسسة التشريعية تأسيس مجلس أعلى للإعلام؛ فينبغي أن يشكل المجلس عبر آلية تضمن استقلاليته عن سيطرة الحكومة وتحافظ على تمثيله لمشغلي قطاع الإعلام المرئي من القطاع الخاص وكذلك النقابات المهنية المستقلة التي تمهل الصحافيين والإعلاميين نقابياً دون تنفيذ أي أجندات خاصة بالحكومة أو معارضتها.

زر الذهاب إلى الأعلى