توصيات المجلس الوطني: إعلان حرب على حرية الرأي والتعبير

 

في 28 يوليو 2013 عقد المجلس الوطني بغرفتيه الشورى والنواب، جلسة استثنائية –  الأولى في تاريخ المجلساستمرت قرابة 5 ساعات، بحضور 12 وزيراً، و77 من أصل 80 نائباً وعضواً في مجلس الشورى، صوَت خلالها على 22 توصية لمواجهة ما أسماه المجلس بـالإرهاب، وهي التوصيات التي رفعها إلى ملك البلاد.

وشهدت الجلسة مداخلات لعدد من النواب الذين دعوا إلى فرض المزيد من القيود على المسيرات والتجمعات، وخصوصاً التي يتم الدعوة إليها في العاصمة المنامة، وتركزت أغلب مطالب النواب بتغليظ عقوبات قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، وسحب جنسيات من يثبت ضلوعهم في أعمال الإرهاب. وهو ما تبعته إجراءات حكومية نالت من حقوق البحرينيين في التعبير عن أراءهم بحرية، وذلك عبر سلسلة من القوانين والإجراءات الجديدة.

ومن التوصيات الصادرة عن المجلس

1 – إصدار مراسيم بقوانين في فترة غياب البرلمان لتشديد العقوبات في قانون الإرهاب.

2 – إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها.

3 – المعاقبة على التحريض على العنف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله وتشديد العقوبة على المحرضين على ارتكاب الجرائم الإرهابية.

4 – فرض عقوبات مشددة على جميع جرائم العنف والإرهاب بكل صورها وأشكالها.

5 – تجفيف كل مصادر تمويل الإرهاب.

6 – منع الاعتصامات والمسيرات والتجمهر في العاصمة المنامة.

7 – اتخاذ كل التدابير اللازمة لفرض الأمن والسلم الأهليين، وإن تطلب الأمر فرض حالة السلامة الوطنية.

8 – اتخاذ الإجراءات القانونية ضد بعض الجمعيات السياسية التي تحرض وتدعم أعمال العنف والإرهاب.

9 – تعديل القانون رقم (58) لسنة 2006م بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية لسد كل الثغرات التي تحرض على الإرهاب وتدعمه.

10 – منح الأجهزة الأمنية الصلاحيات الضرورية والمناسبة لحماية المجتمع من الأعمال الإرهابية والترويج لها.

11 – ضرورة التنبيه على سفراء الدول الأجنبية وممثليها بعدم التدخل في الشئون الداخلية للبحرين احتراماً للقانون الدولي والأعراف الدولية.

12 – تشديد العقوبات ضد كل من يثبت تورطه في زجّ الأطفال واستغلالهم في الأعمال الإرهابية وتخريب المنشآت العامة والخاصة.

13 – الالتزام التام والكافي بتطبيق جميع القوانين العقابية المتعلقة بمكافحة العنف والإرهاب دون تهاون أو تفريط في ذلك.

14 – توجيه الأجهزة المعنية في الدولة بتفعيل الإجراءات القانونية ضد كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير قانونية.

15 – عدم شمول المتورطين في الأعمال الإرهابية بالعفو الملكي عن العقوبات.

16 – وضع استراتيجية شاملة للمنظومة الأمنية في المملكة، بما يكفل لها مواجهة كل المستجدات ودعم جهود القائمين عليها وحمايتهم.

وخلال الفترة التي تم فيها رفع الجلسة لصياغة التوصيات، كان من المفاجئ إعلان وزيرة شئون الإعلام سميرة رجب التوصيات نصاً عبر مؤتمر صحافي بُث مباشرة عبر التلفزيون، وقبل أن يتم إعلان التوصيات في البرلمان. وبعد ساعات من تصويت المجلس على التوصيات، وجه الملك جميع من يعنيهم الأمر للعمل على وضع التوصيات المهمة موضع التنفيذ بالسرعة الممكنة من خلال القنوات الدستورية والقانونية المتوفرة.

وعبرت رابطة الصحافة البحرينية في بيان لها حول التوصيات عن صدمتها لما إحتوته أغلبية مداخلات الأعضاء وتوصيات الجلسة من تحريض وتفويض مفتوح للأجهزة الأمنية في التنكيل والمساس بحقوقالمواطنةللمواطنين المطالبين بالإصلاح السياسي في البلاد، وفي شن حرب مفتوحة على الحق في حرية التعبير وإبداء الرأي تحت مبررات واهية، وغير مقبولة

ورأت رابطة الصحافة البحرينية أن مخرجات الجلسةالتي تشوبها شبهات دستوريةهي كارثة وطنية تُذكر البحرينيين بما شهدته البلاد إبان فترة السلامة الوطنية في مارس 2011، حيث تم توثيق جرائم وإنتهاكات حقوقية أودت بحياة أكثر من 120 مواطن، وسجن وإعتقال وتعذيب آلاف المواطنين.

واكدت الرابطة أن توصيات البيان الختامي للجلسة تعتبر بمثابة التفويض المفتوح لملك البلاد والسلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في إصدار مراسيم بقوانِين وتعديل قوانين من شأنها التضييق على الحريات العامة والحريات الإعلامية والصحافية ومنع الإعتصامات والمسيرات في العاصمة المنامة، وفرض حالة السلامة الوطنيةحالة الطوارئ، واعتقال القادة والنشطاء السياسيين، وإسقاط الجنسيات عن المواطنين خلاف القانون، وذلك في مخالفة صريحة للقانون الدولي، والمعاهدات الدولية التي تعهدت حكومة البحرين بعد التوقيع عليها الإلتزام بما تضمنته من حقوق أصيلة توافقت عليها الشرعية الدولية.

وصرح رئيس رابطة الصحافة البحرينية عادل مرزوق أنبيان المجلس الوطنيوما تضمنه من توصياتهو صفحة سوداء في تاريخ السلطة التشريعية بمجلسيها، وهو تفويض مفتوح للخيار الأمني الذي تنتهجه السلطات البحرينية، وهو أيضاً، تصعيد خطير يمهد لإنتهاكات جديدة قد تشهدها البلاد على خلفية هذا التفويض (المرفوض) طبقاً للقانون الدولي، دستورياً، وإنسانياً“.

وأكد مرزوق أنتوصيات المجلس الوطني تتيح للحكومة البحرينية إقرار المزيد من السياسات والقوانين القامعة لحرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية والصحافية، وتضرب بوضوح جميع التعهدات السابقة للسلطة، ولا تتوقف عند ذلك، بل وتتعدى على حق أصيل كفلته الشرعية الدولية، وهو حق المواطنة“.

القرارات التعسفية التي أعقبت توصيات المجلس الوطني

وأعقب صدور التوصيات بأيام، صدور مرسومين بقانون لسنة 2013،  بشان تعديل قانون الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات وتعديل قانون الأحداث. ويأتي المرسوم بقانون بتعديل قانون الاجتماعات العامة والمسيرات ليحظر تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات أو الاعتصامات في مدينة المنامة، ويستثنى من ذلك الاعتصامات أمام المنظمات الدولية، وذلك بإذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه الذي له تحديد عدد المشاركين والمكان والزمان والمحدد لتنظيم الاعتصامات.

فيما يهدف المرسوم بقانون بشان تعديل قانون الأحداث توسيع دائرة العقوبات وبما يشمل ولي أمر الحدث إذا وجد مشاركا في مظاهرة أو مسيرة أو تجمع أو اعتصام سياسي، لتكون العقوبة الحبس أو الغرامة أو كليهما.

ووجه وزير الدولة لشئون الاتصالاتالمتهم بمسؤوليته عن إستهداف عشرات الصحافيين والمصورين خلال أحداث العام 2011 – فواز آل خليفة رئيس هيئة تنظيم الاتصالات والرؤساء التنفيذيين لشركات الاتصالات لسرعة تنفيذ إجراءات حجب المواقع والمنتديات التي تحرض وتروج للعنف والأعمال الإرهابية. بحسب ما تعتقد الحكومة. كما أنشأ الوزير فريق بين وزارة الدولة لشئون الاتصالات وشركات الاتصالات لرصد وتعقب المواقع والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي.

وبعدها بأيام صدر عن وزير العدل والشئون الاسلامية والأوقاف قرارا وزاريابإضافة مادةجديدة للقرار 4 لسنة 2005 بشأن قواعد اتصال الجمعيات السياسية بالأحزاب أو التنظيمات السياسية الأجنبية“. ونصت هذه المادةعلى أنيكون اتصال الجمعيات السياسية بالبعثات الدبلوماسية أو القنصلية الأجنبية لدى المملكة أو المنظمات والمؤسساتالحكومية الأجنبية أوممثلي الحكومات الأجنبية وغيرها بالتنسيق مع وزارة الخارجية وبحضور ممثل عنها أو من ترتئيه وزارةالخارجية من الجهات ذات العلاقة“‎.‎

وفي منتصف شهر سبتمبر، أعلنت وزارة العدل عن رفعها دعوى قضائية بطلب وقف كافة أنشطةالمجلس الإسلامي العُلمائيوتصفية أمواله وغلق مقره، باعتباره تنظيم غير مشروع، تأسس بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.

اعتقالات أعقبت توصيات المجلس الوطني

وأعقب صدور توصيات المجلس الوطني، تكثيف حملات الاعتقال التي طالت عدد كبير من الأشخاص، ومن بينهم من كانت لهم نشاطات إعلامية، وخصوصاً مع تزامن ذلك مع الدعوات إلى حركة التمرد في البحرين بتاريخ 14 أغسطس 2013. وتم اعتقال المصور قاسم زين الدين، الذي نشط في تصوير احتجاجات المعارضة في البحرين بتاريخ 2 أغسطس 2013، وتمت مصادرة هاتفه وكمبيوتره المحمول، كما تم تفتيش سيارته.

وتم اعتقال المدون محمد حسن @safybh والذي كانت له كتابات في موضوعات حقوقية وسياسية في البحرين، قبل أن يتوقف عن الكتابة بصورة معلنة في أبريل 2013، وقد تم اعتقاله من منزله من قبل رجال أمن ملثمين يوم 31 أغسطس 2013، وتمت مصادرة حاسوبه وهاتفه النقال الشخصي. ووجهت السلطات لحسن تهمة العضوية في شبكة 14 فبراير الاعلامية، وقبل اعتقاله تم استدعاؤه في شهر يونيو 2013، واستجوابه بشأن علاقته بالمعارضة البحرينية، ويُعتقد أن استهدافه بسبب تعاونه مع وسائل إعلام أجنبية، قبل أن يتم الإفراج عنه مطلع شهر أكتوبر 2013.

وفي اليوم ذاته الذي تم فيه اعتقال المدون محمد حسن، اعتقل المصور حسين حبيل، إذ اختفى في ذلك اليوم من مطار البحرين الدولي، ويواجه حبيل تهمة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي للتحريض على كراهية النظام، بالإضافة إلى تهم أخرى تتعلق بنشاطه الاعلامي. ويعاني حبيل من آﻻم في القلب وضيق في التنفس، وأبدى ذويه قلقاً كبيراً على صحته وخشية من تدهور حالته نتيجة للحرمان المتعمد من العلاج وعدم تمكينه من تلقي العلاج اللازم.

وقد نُشرت أعمال حبيل في وكالة الصحافة الفرنسية وصوت أميركا والعديد من الوسائل الاخبارية، كما أنه حصل في وقت سابق من العام 2013 على المركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي من صحيفة الوسط المستقلة لالتقاطه صورة لمتظاهرين وسط سحب من الغاز المسيل للدموع خلال احدى المظاهرات.

 استهداف أكبر جمعية معارضة في البحرين

وراقبت رابطة الصحافة البحرينية بقلق مواصلة جهاز الأمن الوطني إرسال مقالات رأي لتنشر في الصحف المحسوبة على السلطة، وتحتوي هذه المواد على هجوم وتحريض ضد المعارضة ورموزها، وطال الاستهداف بوضوح جمعية الوفاق وقياداتها.

وفي 26 أكتوبر 2013، أطلقت جمعية الوفاق،متحف الثورة، الذي يصور بانوراما الحراك الذي شهدته البحرين منذ 14 فبراير 2011. واحتوى المتحف على 7 بانورامات تستعرض عدة محطات منها الحركات التي شهدتها البحرين، ومقتنيات الشهداء وأكثر من 30 نوعاً من أنواع التعذيب. وفي 30 أكتوبر 2013، اقتحمت قوات النظام البحريني مبنى جمعية الوفاق في منطقة القفول، بعد محاصرة المبنى من قبل القوات، ووضع شريط أمني عازل حول المبنى، ومنعت مسئولي الوفاق من الوصول الى المقر في القفول. وأصدرت النيابة العامة أمراً بالتحفظ على ما اعتبرتهمواد تحريضية محرزة، ومن بينها مجسمات وصور ومواد تشكل جرائم إهانة هيئة نظامية، والمؤثمة بموجب قانون العقوبات“. حسب بيان رسمي لها.

وأعقب ذلك استدعاء الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، للتحقيق معه في النيابة العامة، التي أفرجت عنه بضمان محل إقامته، بعد تحقيق استمر قرابة ست ساعات، وأعلنت النيابة العامة أنها اتهمت سلمان بـإهانة وزارة الداخلية كهيئة نظامية. وتركز التحقيق مع سلمان حول متحف الثورة والكلمة الافتتاحية له في المتحف وبعض المعاني حول الثورة والشهداء. وهو ما يمثل تعدياً مرفوضاً على حرية الرأي والتعبير.

زر الذهاب إلى الأعلى