الصحافة في البحرين: أداةٌ بيد النظام

unnamed (1)

*اميل نخلة

حظيت البحرين بتاريخ زاخر من حرية الصحافة في عقدها الأول بعد الاستقلال، إلا أن تلك الحرية لم تعد كذلك. وفي أعقاب تعطيل الحياة الديمقراطية في عام 1975، أصبحت العائلة الحاكمة تدير البلاد بموجب المراسيم التي تقرها. وكانت الصحافة هي أول ضحايا هذا النوع من الحكم العائلي، والذي بات يسيطر على البحرين لقرابة 40 عامًا. وفي العام 2014، بلغ عدد الصحف اليومية الموالية للنظام والتي تزاول أنشطتها مزاولةً أساسية في كونها ناطقةً باسم النظام الحاكم ستة صحف من أصل سبع؛ وتشتمل قائمة تلك الصحف الموالية على كل من صحيفة أخبار الخليج، والوطن، والأيام. وتعد صحيفة الوسط التي يدير تحريرها منصور الجمري، هي الصحيفة البعيدة تقريبًا عن دائرة تأثير الحكومة. غير أنها في الوقت ذاته، ولتفادي أي إغلاق قسري يمكن أن يقوم به النظام عليها، اضطرت لممارسة رقابة ذاتية على موادها المنشورة. وعلى الطرف الآخر، هناك صحيفة إلكترونية (مرآة البحرين) وقناة تلفزيونية (اللؤلؤة) وهما قناتان إعلاميتان معارضتنان تحظيان بمتابعة واسعة وتديريان أنشطتهما من خارج البحرين. ورغم عديد المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها السلطات البحرينية في حجب أداتي الإعلام تلكما داخل البلاد، لا يزال البحرينيون يجدون طرقًا في الالتفات على تقنيات الحجب التي تنتهجها الحكومة للوصول إلى تلك القناتيَن. ويخضع مزودو خدمات الإنترنت، وشبكات التواصل الإجتماعي كالفيس بوك وتوتير لقيود أكثر من أي وقت مضى. فيما يقبع العديد من مقدمي الصحافة المطبوعة والصحافة الرقمية وصحفيي الشارع خلف القضبان.

وقد وصف التقرير الصادر عن فريدوم هاوس لعام 2014 فيما يتعلق بحرية الصحافة في البحرين بأنها “غير حرة”. ووفقًا للتقرير، وباعتماد معيار حسابي للمقارنة يصنف حساب الدرجات من صفر (0) إلى مائة (100) يكون فيه الصفر هو المقياس الأفضل والمائة هو المقياس الأسوأ، حازت حرية الصحافة في البحرين على درجة 87. ولا يزال الصحفيون البحرينيون يواجهون اضطهادًا شرسًا، بما في ذلك الضرب، والمضايقة، والاعتقال، والتعذيب. وقد حُرم الكثير من الصحفيين الأجانب المستقلين من دخول البحرين أو تم ترحيلهم من البلاد لقيامهم بواجبهم المهني في رصد احتجاجات الشارع والمواجهات مع الشرطة. وقد استعان نظام آل خليفة بسياسة طائفية معادية للشيعة لحشد دعم الصحف الموالية ضد جميع أشكال المعارضة. كما أطلقت العائلة الحاكمة حملات دعائية مسعورة في صحافة تمتلك تطويعها حسب رغبتها وكذلك عبر مروجي الدعايات الأجانب المأجورين الجدد في شبكات التواصل الاجتماعي من أكاديميين، ودبلوماسيين حاليين ومتقاعدين، وعاملين في مؤسسات بحثية، لإظهار صورة متأنقة لسجل النظام المتهاوي والملطخ بانتهاكات حقوق الانسان. وتستخدم كل من هيئة شؤون الإعلام ووزارة الإعلام صلاحياتهما لتجريم أي توزيع للمنشورات المحلية أو الخارجية وتوقيفها إذا كانت تلك المنشورات تشكل تهديدًا لنظام آل خليفة. وبالطبع، فإن الحكومة تسيطر على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. ورغم قيام العائلة الحاكمة بالقدح في نار طائفية مقيتة لتشويه سمعة الغالبية الشيعية، إلا أنها دأبت على اتهام وسائل إعلام المعارضة بالتحريض على التطرف الطائفي.

ويستخدم في الغالب قانون الصحافة لعام 2002 (الصادر بمرسوم قانون رقم 47) لفرض قيود صارمة على الصحفيين، والمراسلين، والمدونيين، وصحفيي الشارع الذين يستخدمون الإنترنت لنشر موادهم الإعلامية، ومحرري الصحف اليومية. ويشتمل القانون على 17 نوعًا مختلفًا من العقوبات والتي بموجبها قد يتم تغريم الصحفيين أو حبسهم. ويقبع اليوم العشرات من الصحفيين، والمصورين، والمدونيين، والمصورين المستقلين، ومنتجي الفيديو خلف القضبان. وقد تعرض بعضهم إلى إصابات أو لاقى وجبات تعذيب، كما أنهم يتعرضون تعرضًا دائمًا لسوء المعاملة على يد أولئك الذين يوفر لهم النظام حصانة من العقاب.

ويمكن أن يواجه الصحفيون تهمًا جنائية وحبسًا إذا تم اتهامهم بانتقاد الإسلام، أو إهانة الملك، أو التحقيق في المواضيع والممارسات المتعلقة بالأمن القومي، أو تقويض الأمن القومي. ولا تجري الإشارة صراحةً إلى مثل هذه الإجراءات في القانون، وهو ما يمنح الحكومة صلاحيات واسعة لتجريم هذه الإجراءات وفرض عقوبات قاسية. والنظام مصر على تكميم الصحافة ومنع أي انتقاد للسياسات الاقصائية التي تنتهجها الحكومة ضد المعارضة والغالبية الشيعية العظمى. ويعتبر توظيف الحكومة الجائر لقانون الصحافة انتهاكًا واضحًا لدستور العام 2002، وهو دستور يكفل حرية التعبير وحرية الصحافة. وتعمدت حكومة آل خليفة التخلي عن الأعراف المعمول بها في البلاد فيما يرتبط بحرية الصحافة وتنوي تحويل الجزيرة التي تحتضن الدولة من دولة تفاخرت بنفسها في إنجازاتها في مجالات الثقافة، والتعليم، والتعددية إلى إقطاعية عائلية تدير البلاد بتبني الإفلات من العقاب خارج نطاقات الأعراف المتحضرة والمساءلة.

*الدكتور اميل نخلة: هو برفسور أبحاث يعمل لدى جامعة نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو عضو مجلس العلاقات الخارجية. وهو مؤلف كتاب الارتباط الضروري: إعادة استثمار العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي والبحرين: التطور السياسي في تجديد المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى