خطاب الكراهية وتقويض العيش المشترك

unnamed

مطر مطر

يصارع البحرينيون من أجل مقاومة تبعات خطاب الكراهية الشائع في الإعلام البحريني عبر الصحافة والتلفزيون والأسماء المستعارة والحقيقية على شبكات التواصل الإجتماعي، بالإضافة لبعض خطب الجمعة التي تتحكم الدولة بشكل مطلق في تعيين الإئمة فيها.

 بعد 14 فبراير 2011 وبعد إنطلاق فصل جديد من مساعي البحرينيين للتحول الديمقراطي لم تتغير إتجاهات الإعلام الرسمي لكنها أخذت مدى أوسع وأبعاداً أخطر عبر التحريض على العنف ضد المتظاهرين، وتبرير الفظائع إن لم تنكرها السلطة أو تتجاهلها.

 كما إستخدم هذا الإعلام مفردات خطيرة مثل “التطهير” تبعتها دعوات لتعليق المشانق والإعدامات والإبعاد والترحيل. من جهة أخرى أطلق العنان للخطاب الدينيي الخاضع لنفوذ النظام ليضع المناضلين من أجل التغيير في دائرة المفسدين في الأرض، وصدرت الدعوات لتقطيع أياديهم وأرجلهم وصلبهم.

يتذكر البحرينيون حملة “على نفقة الدولة” التي سبقت الربيع العربي. كانت هذه الحملة تستكثر على البحرينيين الذين أنتقدو النظام نيل شيء من حقوقهم في الإبتعاث والسكن، ودعت هذه الحملة لحرمان كل من يرفع صوته من خدمات الدولة. إمتدت هذه الحملات بعد 14 فبراير حيث تم تشبيه المناوئين للنظام بالحيوانات والحشرات والفضلات وإتهامهم بالعمالة والخيانة.

لقد سعى هذا الإعلام إلى تجريد البحرينيين من هويتهم  فقد كانوا بحرينيين وكثير منهم عرب وشيعة. جاءت الحملات الإعلامية لتقول أنهم ليسوا مسلمين لأنهم شيعة ومنحرفين عن “المصب الرئيس” المتمثل في الإسلام السني، وهم ليسوا عربا بل مجوسا في إشارة للعرق الفارسي، وهم ليسو بحرينيين لأن أصولهم من القطيف أو المحمرة.

الإعلام  الذي يمارس هذه الحملات هو إعلام غير حر. فالبحرين مصنفة من بين أسوء عشرين دولة في العالم في حرية الصحافة حسب التقرير الأخير  لمنظمة مراسلون بلا حدود، وهي من أكثر 5 دول تراجعا في الحريات في السنوات الأخيرة حسب تقرير بيت الحرية.

هنا يرد سؤال جوهري. إن لم تكن هذه الخطابات تمثل نموذجاً لخطابات الكراهية، فماذا تمثل؟

لا يمكن إنكار أن الإنقسام المجتمعي أمر حاصل، بل هو عميق. في الوقت ذاته فإن تصاعد خطابات الكراهية في إعلام غير حر يجعل منه سياسة رسمية يُكافئ من يلتزم بها، يُقصى من يعرض عنها، ويعاقب من يعارضها.

لقد كانت كلفة احترام المهنية الإعلامية في البحرين عالية جداً. فمن بين الإعلاميين من قتل بالرصاص الحي كالمصور أحمد إسماعيل، ومنهم من قتل تحت التعذيب كالمدون زكريا العشيري والناشر كريم فخراوي، ومنهم تعرض للإعتقال والتعذيب أو الفصل والمطاردة مما إضطر بعضهم الى الهجرة. ولم يسلم من هاجر من الإستهداف، فقد أسطق النظام البحريني الجنسية البحرينية عن الصحافي عباس بوصفوان و د. علي الديري والمدون علي عبدالإمام الذين واجهوا غطرسة النظام  بكل جرأة.

في المقابل، وفي دول الغربية – التي تكفل الحريات بمستويات متقدمة – وقف بعض المراقبين مترددين في إختيار ألفاظهم لكي لا يتهموا بأنهم منحازون إلى البحرينيين قبالة العائلة الحاكمة التي تلبي مصالح حكوماتهم. وتحولت خطابات الكراهية من خطاب تخص النظام وموجهة ضد الشعب لتكون أزمة طائفية بين السنة الشيعة.

 لم تكن خطابات الكراهية الأداة الوحيدة المستخدمة لتأجيج الفتنة الطائفية وإنقاسام المجتمع، بل أيضا السياسات الطائفية المطبقة على الأرض التي كانت تقدم رسالة أبلغ وأقوى من البروباغدا الإعلامية. وعمد النظام على إشاعة سياسات التمييز بشكل عرقي وطائفي وسياسي عبر إقصاء عموم العجم (البحرينيون من أصول إيرانية) والبحارنة (العرب الشيعة) ومجمل المطالبين بالتغيير السياسي. وشاعت سياسات التمييز في التوظيف والتجنيس وفي تقديم مختلف الخدمات الحكومية وفي الفرص الإقتصادية.

لقد طبق النظام سياسات تنفذ على الأرض بصمت وتستبطن رسالة واضحة لا لبس فيها. مفاد هذه الرسالة أن من يتعرضون للتمييز هم غير مشمولين بالعيش المشترك وينبغي نبذهم. لقد مارس النظام هذه السياسات لعقود وتشبع كثير من المستفيدين من هذه السياسات بثقافة الإقصاء. لنصل إلى مرحلة يكون فيها الإنقسام المجتمعي مشكلة مستقلة وقائمة بذاتها، وإن كانت المعضلة الأساسية هي الإستبداد.

لقد تخطى الإعلاميون البحرينيون إختبارات صعبة وأمامهم المزيد من التحديات في مهنة لا تنتهي متاعبها ولا لذاتها.  .

=====

برلماني بحريني سابق 

زر الذهاب إلى الأعلى