تجربة قناة “العرب” على ضوء واقع الإعلام التلفزيوني في البحرين

54cf34ae601e9b36638b457f

لندن- رابطة الصحافة البحرينية: اختارت جمعية “الوفاق” المعارضة يوم تدشين قناة “العرب” المملوكة للملياردير السعودي الوليد بن طلال في المنامة في 1 فبراير/ شباط 2015 مناسبة لإعادة تقديم طلب رسمي للسلطات بفتح قناة فضائية. وأكدت في بيان بأن طلبها يعود إلى سنوات” وأنه “لم يعد هناك ما يحول دون الموافقة على طلب فتح قناة فضائية خصوصا بعد الموافقة على فتح قناة العرب”. بدلاً من منحها التراخيص اللازمة لذلك، فقد بادرت السلطات إلى إغلاق قناة “العرب” نفسها بعد ساعات قليلة من بدء بثها.

انصبّت التحليلات التي أدلى بها معلقون عقب إغلاق القناة على استضافة القناة إلى معاون أمين عام “الوفاق” السياسي، وخلافات مالك القناة المتنامية داخل بيت الحكم السعودي، و”نهج القناة المتطرّف” على حد تعبير وزير الداخلية البحريني، كأسباب مباشرة تقف وراء قرار إغلاقها المفاجيء. قد يكون ذلك صحيحاً؛ لكنه يظل قاصراً عن الكشف عن الإشكاليات الحقيقية التي تقف في وجه الإعلام التلفزيوني في البحرين. إن إغلاق قناة بالشكل الدراماتيكي الذي حصل مع قناة “العرب” أو مماطلة السلطات في منح ترخيص لإنشاء قناة خاصة تطالب بها “الوفاق” أو غيرها ليس سوى سطح الجليد في بنية إعلامية هشة.

في الأصل، يخضع البث المرئي والمسموع في البحرين لاحتكار الحكومة. ولا توجد أية بنية قانونية أو تشريعات قائمة تسمح بإنشاء قنوات خاصة. كمثال على ذلك، فإن القانون الوحيد المتوافر الذي ينظم على نحو إجمالي أوجه النشاط الإعلامي وتعريفاته وطرق مزاولته وهو “قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر” الصادر في 2002 يتجاهل على نحو لافت التطرق إلى الإعلام التلفزي والإذاعي. في الوقت الذي يتوسع على نطاق 96 مادة في إقامة الأساس التشريعي للمطبوعات والمطبعة والمكتبة والصحافة والناشر ودار التوزيع ودار قياس الرأي العام ومكاتب الدعاية والإعلان؛ بل وحتى وكالة الأنباء. كل شيء ما عدا المرئي والمسموع.

لكن على الرغم من ذلك، فقد سمحت البحرين على فترات متفاوتة بانطلاق قنوات أو إنشاء مكاتب لقنوات في البلاد ضمن ترتيبات خاصّة مع مالكيها. إن قناة “العرب” ليست سوى مثال. لكن توجد حالياً في البحرين مكاتب لقنوات “السعودية الإخبارية” و”سكاي نيوز” و”العربية” و”مجموعة روتانا”. كما منحت السلطات في العام 2012 ترخيصاً ببث قناة “الاتحاد” التي ظلت تبث من استديوهات هيئة الإعلام لغاية توقفها في العام الحالي 2015.

في الواقع، إن المدخل الذي يتم اللجوء له عادة في التصريح لنشاط هذه القنوات ليس قانون الإعلام البحريني المشار له أعلاه، ولكن قانون الشركات التجارية الذي يجيز فتح مكتب لإنتاج وبث أمور إعلامية. وتنص المادة 346 من القانون على أنه من حق الشركات الأجنبية المؤسسة في الخارج “أن تنشئ لها فروعاً أو وكالات أو مكاتب في دولة البحرين”. ويستثني  شرط وجود كفيل بحريني لها “إذا اتخذت فروع الشركة أو مكاتبها من البحـرين مركـزاً إقليمياً أو مكتباً تمثيلياً لأعمالها”. من هذا المدخل القانوني تشتغل أغلب القنوات الأجنبية أو فروعها في البلاد. لكنه كما يتضح ليس سوى مدخل هش يتم اللجوء له لتصريف قرارات سياسية في الأساس.

لقد توصل مالك قناة “العرب” الملياردير السعودي الوليد بن طلال إلى اتفاق مع رئيس الديوان الملكي البحريني إبان  الأزمة السياسية يقضي بمزاولة نشاطها من البحرين. وقد نصت  الاتفاقية التي وقعت بين الرجلين في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2011 على حصولها على تسهيلات سخية بينها “تلقي القناة دعماً نقدياً سنوياً من البحرين بمبلغ 10 مليون دولار ولمدة 10 سنوات”.

لكن حينما دقت ساعة الخصام جرى استدعاء المواد النائمة في القانون غير الموجود أصلاً. وقد صرّح رئيس هيئة شئون الإعلام بأن “مالكي القناة لم يستكملوا التراخيص لممارسة نشاطهم، بمعنى إنهم حصلوا على رخصة تجارية للنشاط الإعلامي، ولكنهم لم يتقدموا بطلب البث الفضائي أو الحصول على هذه الرخصة من جهة أخرى ليست هيئة شؤون الإعلام”. وأوضح “عندما تحتاج لفتح قناة فضائية تحصل في البدء على رخصة تجارية وتتبعها رخص أخرى مثل رخصة البث الفضائي”، وفق تعبيره.

لقد مرّ على وزارة الإعلام في البحرين حوالي تسعة وزراء في ظرف عشرين سنة. وقد تنوّعت تصوّراتهم في كيفية “تطوير” بنية للإعلام؛ لكن هناك مسألة يكاد يجمع عليها كثير منهم، وهي تطوير آلية لإتاحة رخص البث الفضائي. أكثر من وزير عمل على قانونه “الخاص” للإعلام وضمّنه إجازة البث الفضائي وكسر احتكار الدولة. وقد تحدثت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام السابقة سميرة رجب عن تضمين القانون الجديد لـ”الإعلام والاتصال” موادا يسمح بفتح قنوات تلفزيونية خاصة. وصرحت بأن “موضوع القنوات الخاصة عاجلاً أم آجلاً يجب أن يطرق، ولا بد من تشريعات تنظم هذا الأمر”، مشيرة إلى أن “القانون الجديد تطرق للإعلام المرئي والمسموع بشكل يتيح فتح قنوات خاصة وفق ضوابط ومعايير”. بدوره، فقد أعلن وزير شئون الإعلام الحالي عيسى بن عبدالرحمن الحمادي بأن “التوجه الإستراتيجي الموجود حاليا هو فتح الاستثمار في المجال الاعلامي والقنوات الخاصة واهمية وجود قانون للإعلام المرئي”.

الحال أن وجود أرضية قانونية للإعلام المرئي أمر مطلوب حتماً؛ لكن أولى منه هو وجود إرادة سياسية جادّة بالسماح لصوت آخر غير صوت الدولة على غرار تجربة مدينة دبي للإعلام أو “هايد بارك” الإعلام في لبنان أو بريطانيا. إن الوعود بتطوير قانون الإعلام الحالي أو تعديله أو استبداله تعود إلى لحظة إقراره في العام 2002. وقد ظلت تتقاذفه السلطتان التشريعية والتنفيذية على مدى الأعوام من 2003 إلى 2007. لكن حتى لو تمّ تمرير هذه التعديلات، سيظل معرّضاً للاستغلال المشوّه باستمرار ما لم يتم تطوير إرادة سياسية تفضي إلى إنهاء احتكار الدولة الفعليّ للإعلام التلفزيوني بما ينطوي عليه  ذلك من تنظيم عملية البث والبنية القانونية اللاّزمة أو فتح الاستثمار في المجال الاعلامي أو السماح ببروز قنوات للمعارضة.

زر الذهاب إلى الأعلى